في خطوة تحمل دلالات أمنية واستراتيجية واسعة، بدأت الحكومة السورية، بإشراف مباشر من الرئاسة، تنفيذ خطة لإعادة تنظيم المقاتلين الأجانب الذين بقوا داخل البلاد بعد انتهاء المعارك مع المعارضة المسلحة، وذلك عبر تأسيس تشكيل عسكري جديد يُدعى “الفرقة 84 – قوات خاصة”. ووفقاً لمصادر عسكرية مطلعة تحدثت لـ”الحل نت”، فإن هذه الفرقة تضم نحو 30 ألف مقاتل، من بينهم عناصر سابقون في “الحزب الإسلامي التركستاني” و”أجناد القوقاز”، إلى جانب مقاتلين من الشيشان وتركيا وأوزبكستان. ويقود الفرقة شخصيات بارزة كانت ضمن فصائل جهادية مثل عبد الله الداغستاني، مختار التركي، وأبو محمد التركستاني. يقع المقر الرئيسي للفرقة في الكلية البحرية بمحافظة اللاذقية، بينما يمتد انتشارها إلى جبال الساحل وشمال غرب سوريا، حيث يتخصص عدد من ألويتها في قتال الجبال، المداهمات، حرب الشوارع، والمدفعية.
تفاهم دبلوماسي يبدّل الموقف الأميركي: من العزل إلى الدمج تحت سيادة الدولة
جاء هذا التشكيل العسكري عقب تفاهم سياسي مهم بين دمشق وواشنطن، تمخض عن زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى نيويورك في أبريل/نيسان الماضي، حيث أُدرج ملف المقاتلين الأجانب ضمن بنود تفاهم شامل حول شروط رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية. وبحسب ما كشفته مصادر دبلوماسية، فإن الولايات المتحدة اشترطت إخضاع هؤلاء المقاتلين لمراقبة أمنية صارمة ودمجهم في مؤسسات الدولة، بدلاً من استبعادهم وتركهم كقنابل موقوتة قد تجرّ البلاد والمنطقة إلى حالة فوضى جديدة. المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، وصف التفاهم بـ”الشفاف” وأكد أن بعض المقاتلين الأجانب أبدوا ولاءً كبيراً للإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي وعد بمنح الجنسية السورية لبعضهم بشروط محددة، منها الإقامة الطويلة والزواج من سوريات، وهو ما يفتح باب تطبيع قانوني واجتماعي لوجودهم.
تحوّل في المعادلة الأمنية وقلق إقليمي من مآلات الدمج
تطرح إعادة تنظيم المقاتلين الأجانب داخل تشكيل عسكري نظامي أسئلة مصيرية حول طبيعة التحولات الأمنية في سوريا ومستقبل العلاقة بين القوى المحلية والإقليمية. فبينما يُنظر إلى “الفرقة 84” على أنها محاولة جادة من دمشق لتثبيت الاستقرار وتحييد العناصر الراديكالية، لا تُخفي بعض الدول المجاورة – كتركيا والأردن – قلقها من تجنيس مقاتلين شاركوا في صراعات عابرة للحدود. كما أن توظيف خبراتهم في القتال الجبلي والمداهمات، قد يُحوّل هذه القوة إلى أداة ردع داخلية أو حتى خارجية، مما يثير مخاوف من استخدامها في حسابات سياسية تتجاوز حدود سوريا. وفي ظل تراجع نفوذ الفصائل المعارضة، وتبدّل أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يبدو أن دمشق تسعى لإعادة ضبط توازنات القوة الداخلية عبر مقاربة “الدمج تحت السيطرة” بدلاً من الإقصاء أو التصادم، وهو خيار محفوف بالمخاطر ولكنه قد يمثل نافذة نادرة نحو الاستقرار، إذا ما تم تنفيذه بضمانات واضحة وتحت رقابة مؤسساتية حقيقية.