تشير تقارير استخباراتية دولية حديثة، نُشرت عبر وكالة رويترز وصحف دولية مثل The Straits Times، إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بدأ بالفعل بإعادة بناء بنيته العملياتية في كل من سوريا والعراق، مستغلاً فراغات أمنية وتراجع تركيز المجتمع الدولي على ملف محاربته بعد سنوات من الانكماش العسكري.
نشاط متزايد وتحركات خفية
بحسب المعلومات التي جمعتها رويترز من أكثر من 20 مسؤولاً أمنياً وعسكرياً من الولايات المتحدة وأوروبا والعراق وسوريا، فإن مؤشرات متزايدة تؤكد أن التنظيم عاد لتجنيد مقاتلين، سواء من الداخل أو من خارج الحدود. وتضيف التقارير أن الأجهزة الاستخباراتية رصدت، لأول مرة منذ سنوات، تدفقاً محدوداً لمقاتلين أجانب من أوروبا إلى سوريا، وسط تساؤلات عما إذا كان التنظيم نفسه وراء هذا الاستقطاب، أو ما إذا كانت جماعات أخرى تقف خلف عمليات التجنيد.
هذه التحركات تثير قلق العواصم الغربية والعربية، حيث تذكّر ببداية الصعود السريع للتنظيم في 2013 و2014، عندما اعتمد بشكل واسع على المقاتلين الأجانب الذين ساهموا بشكل أساسي في تمدده العسكري والسيطرة على مساحات واسعة في سوريا والعراق آنذاك.
تعاون استخباراتي غير مسبوق بين واشنطن ودمشق
رغم القطيعة السياسية بين الولايات المتحدة والحكومة السورية لعقد من الزمن، تشير المصادر إلى وجود تبادل معلومات استخباراتية محدود بين الجانبين بخصوص أنشطة تنظيم “داعش”. ويبدو أن واشنطن تسعى إلى تقليص المخاطر التي قد تنتج عن تجدد قدرات التنظيم، خاصة أن الولايات المتحدة تخطط لتقليص وجودها العسكري في المنطقة تدريجياً.
مخاوف عراقية من الفراغ الأمني
في بغداد، وبحسب ذات المصادر، أعربت الحكومة العراقية بشكل غير معلن عن رغبتها في إبطاء وتيرة الانسحاب الأميركي، خشية من أن يؤدي هذا الانسحاب إلى إعادة تنشيط التنظيم بشكل واسع على الأراضي العراقية. فالتنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نشطة في المناطق الوعرة والنائية، خصوصاً في محافظات الأنبار، نينوى، ديالى وصلاح الدين.
بيئة سياسية إقليمية هشة.. فرصة ذهبية لداعش
يأتي هذا النشاط المتجدد في ظل اضطرابات إقليمية متعددة:
سوريا: لا تزال أجزاء واسعة من البلاد خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية وبشكل خاص شمال وغرب البلاد والمنطقة الصحراوية وسط سوريا ، وسط تنافس دولي وإقليمي معقد يشمل تركيا، روسيا، إيران، والولايات المتحدة.
العراق: بالرغم من استقرار نسبي في بغداد، إلا أن هشاشة الوضع الأمني في المناطق الغربية والشمالية ما تزال قائمة.
المنطقة بشكل عام: انشغال القوى الكبرى بملفات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، التصعيد في بحر الصين الجنوبي، وأزمات داخلية اقتصادية وأمنية في أوروبا وأميركا.
كل هذا يوفر مساحة للتنظيم كي يعيد بناء نفسه في الظل، معتمداً على شبكة من الخلايا النائمة والعمليات السرية الصغيرة، والتي قد تتطور مع الوقت إذا ما توفرت لها البيئة الملائمة والدعم اللوجستي والمالي.
قراءة في استراتيجيات “داعش” الجديدة
بخلاف المرحلة السابقة التي اعتمد فيها التنظيم على السيطرة المكانية الواسعة، تشير التقارير إلى أن “داعش” قد يعيد تموضعه استراتيجياً ليعود إلى أسلوب “حرب العصابات” والهجمات الخاطفة بدلاً من احتلال الأراضي. كما أن تركيزه على تجنيد عناصر أجنبية قد يمنحه ميزة عملياتية جديدة تسمح له بتنفيذ هجمات أكثر تعقيداً وعبر الحدود.
تهديد يتنامى بصمت
إن النشاط الجديد لتنظيم “داعش” لا يعني بالضرورة عودته القريبة إلى قوته السابقة في ذروة 2014، إلا أن تجاهل هذا التحرك قد يفتح المجال أمام التنظيم لإعادة بناء نفسه تدريجياً، مستغلاً الثغرات الأمنية وانشغال العالم بأزمات أخرى. ويبقى التنسيق الاستخباراتي الإقليمي والدولي حجر الأساس في جهود احتواء هذا التهديد ومنعه من الوصول إلى مستويات خطرة تهدد الأمن الإقليمي والدولي مجدداً.
